جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
111783 مشاهدة
استلام الحجَر والحكمة من تشريعه

السنة النبوية لذلك ما كان عمر -رضي الله عنه- يزاحم؛ لأنه قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- إني أراك قويا فلا تُزَاحِمْ على الْحَجَرِ، إن وجدت سعة فاستلم، وإلا فَكَبِّرْ وامضِ فكان لا يُزَاحم، وأما ابنه عبد الله فإنه كان يزاحم ويبقى إلى أن يُقَبِّلَ الحجر، أو يستلمه، وروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن استلامهما يَحُطُّ الخطايا أي: استلام الركنين يحط الخطايا.
وروى عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان عند الحجر، وأخذ يستلم الحجر، قال: يا عمر هاهنا تُهْرَقُ العبرات، هاهنا تراق العبرات ؛ يعني أن هذا موطنٌ من مواطن البكاء لله سبحانه وتعالى، فقال: هاهنا تسكب العبرات فاستلام الركنين. الركن اليماني إذا قدر فإنه يستلمه بيده، بأن يضع يده عليه، ولا يُكَبِّرْ ولا يمسحه، ولا يتمسح به، ولا يقبله، إنما يستلمه بيده- كاستلام المسلم الذي يسلم عليه.
أما الركن الذي فيه الحجر الأسود، فإنه إذا قَدَر وضع عليه شفتيه من غير تصويت، فإذا لم يقدر عليه فإنه يستلمه بيده، ثم يُقَبِّلُ يده ، فإذا زُحِمَ وكان معه عصا مَسَّهُ برأس العصا، وقَبَّلَ العصا، فإذا لم يقدر فإنه يكبر ويمضي، ولا يلزمه أن يزاحم- إذا كان في الزحام مشقة أو تَعَرُّضٌ لملامسة النساء، أو ما أشبه ذلك.
وبذلك يكون قد عظم شعائر الله، مع علمه بأن هذا من شعائر الله تعالى. رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، مَنِ استلمه أو قَبَّلَهُ فكأنما قبل يمين الله تعالى في الأرض . أي أن الله تعالى جعل هذا الحجر كشعار لمعاهدة العبد لربه، ومبايعته لربه. أي من استلمه فكأنه بايع ربه، وكأنه عاهد الله. على أي شيء تكون هذه المعاهدة؟ إنها معاهدة الله تعالى على ألا يعصيه، وعلى ألا يخرج عن طواعيته سبحانه وتعالى، وعلى أن يبقى على عبادته، ولا يعصيه. يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أي أن الذين يبايعون النبي -صلى الله عليه وسلم- يعاهدونه على ألا يُشْرِكوا، يعاهدونه على ألا يفسقوا، يعاهدونه على ألا يقتلوا، وألا يزنوا وألا يسرقوا وألا يعصوا الله تعالى في معروف، ولا يعصوا النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكذلك الذين يستلمون الحجر، أو يشيرون إليه، يعتبرون أنفسهم كأنهم يبايعون الله، كأنهم يعاهدون ربهم، يقول أحدهم: يا رب، أعاهدك على أن أطيعك، أعاهدك على أَلَّا أخرج عن طواعيتك، أعاهدك يا ربِّ على أن أبقى على طاعتك وعبادتك مهما استطعت، فإذا وفى بذلك فقد أوفى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا هكذا يكون المسلم، عليه أن يكون من الذين يعاهدون الله تعالى ويوفي بما عاهد الله عليه.
هكذا ذكروا أن الحكمة في تقبيله أن الله تعالى جعله بمنزلة يمينه الذي من بايعه، فكأنما بايع الله تعالى، وكأنما استلم يمين الله، أو عاهد الله تعالى؛ فلا بد أن يوفي بهذا العهد، وأن يبقى عليه.